الخصائص الفنية للقصة القرآنية :
نقف هنا على جديد في أسلوب القرآن الكريم المعجز و هو تجاوب أسلوب القصص الفني في القرآن مع فن القصة المعاصر ، ونوضح ذلك من أربعة أوجه وهي أعمدة الخصائص الفنية للقصة :
أولا : تنوع طريقة العرض :
وقد لاحظنا في قصص القرآن أربع طرائق مختلفة للابتداء في عرض القصة على النحو التالي :
1- مرة يذكر ملخصا للقصة يسبقها ، ثم يعرض التفصيلات بعد ذلك من بدئها إلى نهايتها . وذلك كطريقة أصحاب الكهف فالتلخيص في بدايتها كان مقدمة مشوقة للتفصيلات .
2- ومرة تذكر عاقبة القصة و مغزاها ، ثم تبدأ القصة من أولها و تسير بتفصيل خطواتها .
ومن ذلك : قصة يوسف عليه السلام فهي تبدأ بالرؤيا يقصها يوسف على أبيه فينبئه أبوه بأن سيكون له شأن عظيم ....
ثم تسير القصة بعد ذلك ، وكأنما هي تأويل للرؤيا و لما توقعه يعقوب من ورائها ، حتى إذا تحققت أنهى القصة ولم يسر فيها كما سارت التوراة بعد هذا الختام الفني الدقيق .
3- ومرة تذكر القصة مباشرة بلا مقدمة ولا تلخيص ، و يكون في مفاجآتها الخاصة ما يغني . مثال ذلك : قصة مريم عند مولد عيسى عليه السلام : ومفاجآتها معروفة .. وكذلك قصة سليمان مع الهدهد و النمل و بلقيس .
4- ومرة يحيل القصة تمثيلية . فيذكر فقط من الألفاظ ما ينبه إلى ابتداء العرض ، ثم يدع القصة تتحدث عن نفسها بواسطة أبطالها . وذلك كالمشهد الذي يصوره القرآن من : قصة ابراهيم و اسماعيل في بنائهما للكعبة المشرفة .
ثانيا : تنوع طريقة المفاجأه:
1- فمرة يكتم سر المفاجأة عن البطل و عن النظارة ، حتى يكشف لهم معا في آن واحد .. مثال ذلك : قصة موسى مع العبد الصالح العالم في سورة الكهف
2- ومرة يكشف السر للنظارة ، و يترك أبطال القصة عنه في عماية ، وهؤلاء يتصرفون وهم جاهلون بالسر ، و أولئك يشاهدون تصرفاتهم عالمين .
و أغلب ما يكون ذبك في معرض السخرية ، ليشترك النظارة فيها ، منذ أول لحظة ، حيث تتاح لهم السخرية من تصرفات الممثلين !
وقد شاهدنا مثلا من ذلك في قصة أصحاب الجنة ( إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين . ولا يستثنون .... ) وبينما نحن نعلم هذا ، كان أصحاب الجنة يجهلونه : ( فتنادوا مصبحين . أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين . فانطلقوا و هم يتخافتون ....)وقد ظللنا نحن النظارة نسخر منهم وهم يتنادون و يتخافتون ، و الجنة خاوية كالصريم حتى انكشف لهم السر بعد أن سخرنا نحن منهم ( قالوا إنا لضالون . بل نحن محرومون ) وذلك جزاء من يحرم المساكين .
3- ومرة يكشف بعض السر للنظارة وهو خاف على البطل في موضع وخاف على النظارة و البطل في موضع آخر في القصة الواحدة مثال : قصة عرش بلقيس فمفاجأة أنه صرح ممرد من قوارير ظلت خافية علينا و على بلقيس حتى فوجئنا بسرها معها .
4- ومرة لا يكون هناك سر، بل تواجه المفاجأة البطل و النظارة في آن واحد فقد فوجئنا مع السيدة العذراء مريم بالمخاض .
ثالثا : الاعتناء بفن التصوير :
ويظهر واضحا في رسم الشخصيات ، فشخصية موسى تظهربصورة ذلك النبي الواثق بقضيته فهو يواجه تهديد فرعون باللجوء إلى الله تعالى . وشخصية الرجل المؤمن تظهر من خلال الحوار شخصية الرجل الحكيم الذي يتبع المنطق المعقول مع اثارة عواطف قومه بالنداء المتكرر ( يا قوم ... يا قوم ...) وشخصية فرعون تبدو بجبروتها وخبثها و إصرارها على الباطل ( يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب )
رابعا : حذف الثغرات بين الوقائع مما لا حاجة إليه لفهم القصة : وذلك بطريقة فنية عجيبة اخترق بها القرآن أستار القرون ليأتي متلائما مع العرض التمثيلي الذي نما في هذا العصر إلى أبدع أسلوب وصل إليه الأدب .
ومن تأمل سائر قصص القرآن تبين له ما عرضناه هنا وتذوق إعجاز أسلوب القرآن في القصة ، وزاد إحساسه بذلك إذا لاحظ البون الهائل بين القصة في الأدب العربي و آداب العالم في عصر نزول القرآن وما تطور إليه فهمنا في العصر الحديث .
منقوووووووووووول أخوكم يوسف